فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة المرسلات:
{والمرسلات عرفاً} [1] الملائكة ترسل بالمعروف. وقيل: السحائب. وقيل: الرياح. و{عرفاً} متتابعاً. {فالعاصفات} [2] الملائكة تعصف بأرواح الكفار. وقيل: الرياح العواصف وهي الشديدة الهبوب.
{والناشرات} [3] الرياح أيضاً تنشر السحاب. وقيل: المطر لنشرها النبات. وقيل: الملائكة تنشر الكتب.
{فالفارقات} [4] الملائكة تفرق بين الحق والباطل.
{فالملقيات ذكراً} [5] الملائكة تلقي الوحي.
{عذراً ونذراً} [6] نصب على الحال، كقوله: {رسلاً مبشرين}.
ويجوز على المفعول له، أي: عذراً من الله إلى عباده، ونذراً لهم من عذابه، أي: لذلكما تلقي الملائكة الذكر.
{إنما توعدون لواقع} [7] جواب الإقسام.
{طمست} [8] محيت.
{فرجت} [9] فتحت وشقت.
{نسفت} [10] قلعت من أصولها.
{أقتت} [11] جمعت لوقت.
{كفاتاً} [25] كناً ووعاءً. وأصله: الضم، في اللغة. نظر الشعبي إلى الدور فقال: كفت الأحياء، وإلى القبور فقال: كفت الأموات.
فكان قوله: {أحياءً وأمواتاً} [26] تفسير قوله: {كفاتا}.
{ذي ثلاث شعب} [30] قيل: إنها اللهب والشرر والدخان. وقال المبرد: إنما قال ذلك، لأن النار ليس لها إلا ثلاث جهات: يمنة ويسرة وفوق.
والأولى أن يقال: إن الوراء وإن كان من جهاتها، ولم يباينها في الصفة المكروهة، فإنها لا تدرك قبل الالتفات، وكذلك الفوق والتحت، بخلاف الشعب الثلاث من اليمنة واليسرة والأمام، لأنها ترى أول وهلة، ولأن الشكل الحسكي يلقب بالناري، فيجوز أن يقال: إنه ليس لها فوق ووراء وتحت يدرك بالبصر.
{بشرر كالقصر} [32]. قال أبو علي: القصر بمعنى القصور، وهي: بيوت من أدم كانوا يضربونها إذا نزلوا على الماء.
{جمالات} [33] جمع جمالة، وهي الشيء المجمل. ويقال: جمع جمال. والصفر: السود، لأن سود الإبل فيها شكلة من صفرة، أي: خلطة. وقيل: هي قلوس السفن.
{فبأي حديث} [50] إذا كفروا بالقرآن {فبأي حديث بعده يؤمنون}.
تمت سورة المرسلات. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة المرسلات:
{وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً والنَّاشِرَاتِ نَشْراً فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}
قال: {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً} {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً} {والنَّاشِرَاتِ نَشْراً} {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً} {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً} {عُذْراً أَوْ نُذْراً} قَسَمٌ عَلَى {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}.
{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}
وقال: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} فأضمر الخبر والله أعلم.
{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ}
وقال: {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ} رفع لأنه قطعه من الكلام الأول وان شئت جزمته اذا عطفته على {نُهْلِكِ}.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْواتاً}
وقال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً} {أَحْيَاءً وَأَمْواتاً} على الحال.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتاً}
وقال: {وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتاً} أي: جَعَلْناَ لَكُمْ ماءً تشربون منه. قال: {وَسَقَاهُمْ رَبهمْ} للشفة، وماكان للشفة فهو بغير الف وفي لغة قليلة قد يقول للشفة أيضا (أَسْقَيْنةُ) وقال لبيد: من الوافر وهو الشاهد الخامس والسبعون بعد المئتين:
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى ** نُمَيراً والقائِلَ من هِلالِ

{انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}
وقال: {إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} {لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهبِ} ثم استأنف فقال: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} أي: كالقصور وقال بعضهم {كالقَصَر} أَيْ: كأعناقِ الإِبِل.
{كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ}
وقال: {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ}، بعض العرب يجمع (الجِمال) على (الجِمالات) كما تقول (الجُزُرات) وقال بعضهم {جُمالاَتٌ} وليس يعرف هذا الوجه.
{هذايَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ}
وقال: {هذايَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} فرفع، ونصب بعضهم على قوله (هذا الخبر يومَ لا ينطقون) وكذاك {هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} وترك التنوين للاضافة، كأنه قال: {هذا يومُ لا نُطْقَ} وان شئت نونت اليوم اذا اضمرت فيه كأنك قلت (هذا يومٌ لا يَنْطِقُون فيه). اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة المرسلات مكية.
1- {الْمُرْسَلاتِ}: الملائكة، عُرْفاً أي متتابعة. يقال: هم إليه عرف واحد. ويقال: أرسلت بالعرف، أي بالمعروف.
2- و{فَالْعاصِفاتِ}: الرياح.
3- و{النَّاشِراتِ}: الرياح التي تأتي بالمطر، من قوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف آية: 57].
4- {فَالْفارِقاتِ فَرْقاً} هي: الملائكة تنزل، تفرق ما بين الحلال والحرام.
5- {فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً} هي: الملائكة أيضا، تلقي الوحي إلى الأنبياء.
6- {عُذْراً أَوْ} نُذْراً: إعذارا من الله وإنذارا.
8- {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} أي ذهب ضوءها: كما يطمس الأثر حتى يذهب.
9- {وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ} أي فتحت.
11- {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}: جمعت لوقت، وهو: يوم القيامة.
12- {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ}؟! استفهام على التعظيم لليوم، كما يقال: ليوم أيّ يوم! و{أجّلت}: أخرت.
20- {مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} أي حقير.
23- {فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادرون}! بمعنى (قدّرنا) مشدّدة يقال: قدرت كذا وقدّرته.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الهلال: «إذا غمّ عليكم فأقدروا له»، أي فقدّروا له المسير والمنازل.
25- {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً}؟! أي تضمكم فيها.
و(الكفت): الضم. يقال: أكفت إليك كذا، أي أضمّه إليك.
وكانوا يسمون بقيع الغرقد: (كفتة)، لأنها مقبرة تضمّ الموتى.
26- {أَحْياءً وَأَمْواتاً} يريد: أنها تضم الأحياء والأموات.
27- {شامِخاتٍ}: جبالا طوالا. ومنه يقال: شمخ بأنفه، إذا رفعه كبرا.
{ماءً فُراتاً} أي عذبا.
30- {انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} مفسر في (تأويل مشكل القرآن).
32- {بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} من البناء.
ومن قرأه: {كَالْقَصْرِ}، أراد: أصول النخل المقطوعة المقلوعة.
ويقال: أعناق النخل او الإبل، شبهها بقصر الناس، أي أعناقهم.
33- {جمالات}: جمالات. {صُفْرٌ} أي إبل سود. واحدها: (جمالة). والبعير الأصفر هو الأسود: لأن سواده تعلوه صفرة.
قال ابن عباس: الجمالات الصّفر: حبال السّفن يجمع بعضها إلى بعض، حتى تكون كأوساط الرجال.
39- {فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ} أي حيلة: {فَكِيدُونِ} أي فاحتالوا. اهـ.

.قال الغزنوي:

ومن سورة المرسلات:
1 {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً}: الملائكة ترسل بالمعروف.
وقيل: السّحائب والرياح.
{عُرْفاً}: متتابعة كعرف الفرس.
3 {وَالنَّاشِراتِ}: المطر لنشرها النّبات.
4 {فَالْفارِقاتِ}: الملائكة تفرّق بين الحقّ والباطل.
5 {فَالْمُلْقِياتِ}: الملائكة تلقي الرّوح.
6 {عُذْراً}: نصب على الحال أو على المفعول له، أي: عذرا من الله إلى عباده ونذرا لهم من عذابه.
8 {طُمِسَتْ}: محيت.
9 {فُرِجَتْ}: شقّت.
10 {نُسِفَتْ}: قلعت.
11 {أُقِّتَتْ}: جمعت لوقت.
25 {كِفاتاً}: كنّا ووعاء، وأصلها الضمّ. يقال للرطب: كفت وكفيت لضمّه ما يحويه.
30 {ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}: اللهب والشّرر والدخان.
وقيل: إنّ الشّكل الحسكيّ يلقّب ب (النّاري)، فليس لها فوق ووراء وتحت يدرك.
32 {بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}: بمعنى القصور، وهي بيوت من أدم.
33 {جمالت} جمع (جمالة): قلوس.... السّفن. وقرئ: {جمالات} {جمال} و{جمالات} ك (رجال) و(رجالات).
و(الصفر): السّود لأنّ سود الإبل فيها شكلة من صفرة.
50 {فَبِأَيِّ حديث}: أي: إذا كفروا بالقرآن فبأيّ حديث يؤمنون؟!. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة المرسلات:
عدد 33- 77.
نزلت بمكة بعد الهمزة.
وهي خمسون آية عدا الآية 48 فإنها نزلت بالمدينة.
ومائة وثمانون كلمة.
وثمانمائة وستة عشر حرفا.
لا يوجد سورة مبدوءة بما بدئت به.
وختمت بما ختمت به سورة يوسف فقط.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى مقسما: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً1} الرياح المرسلة المتتابعة الكثيرة تهب بعضها اثر بعض، ومنه طار القطن عرفا أي بعضه خلف بعض، وجاء القوم عرفا أي جماعات بعضهم وراء بعض {فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً 2} الرياح الشديدة الهبوب تعصف، أي تكسر الأشجار كسرا أو تدحرج الأحجار دحرجة {وَالنَّاشِراتِ نَشْراً 3} الرياح المنبثة التي تنشر السحاب في السماء.
{فَالْفارِقاتِ فَرْقاً 4} الملائكة الذين يفرقون بين الحق والباطل فيشكرون من يقوم بالأول ويمقتون الثاني، وسمي القرآن فرقانا لأنه يفرق بين الكذب والصدق وقيل هي فارقة السحب الحائلة بين تتابع الهواء كما قيل ان المراد بالناشرات الرياح التي تنشر لأخبار كالمذياع، وعليه ليكون من معجزات القرآن لفقدانه أبان نزوله {فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً 5} الريح الشديدة المخوفة الملقية في النفوس اللجوء إلى الله تعالى، أو الملائكة الذين يلقون الوحي إلى الأنبياء بما يوحي لهم الله {عُذْراً} للمتقين المتمسكين به {أَوْ نُذْراً 6} للمبطلين الذين يعرضون عنه أو عذرا من الله إلى خلقه على حد قوله تعالى: {وقالوا لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذاباً شَدِيداً قالوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ} الآية 164 من الأعراف الآتية، أي لئلا يقولوا ما جاءنا من نذير.
هذا، وقد جمع الله بين الرياح والملائكة في هذا القسم لمشابهتهم الرياح في اللطافة وسرعة الحركة، وجواب القسم {إِنَّما تُوعَدُونَ} به أيه الناس على لسان رسلكم {لَواقِعٌ 7} لا محالة وانه سينزل بكم عند حدوث الآيات التي جعلت علامة على قربه المبينة في قوله تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ 8} ومحي نورها {وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ 9} فتحت بالأبواب قال تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً} الآية 19 من سورة النبأ ولا مانع عقلي من ذلك سواء كانت جسما لطيفا أو صلبا، وأدلة استحالة الخرق والالتئام مخروقة هنا لا تشرى ولا تسام، لأنها لا تحول حول خوارق الملك العلام، هذا وسيأتي بحث الخرق والالتئام في تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء والأولى من سورة القمر الآتيتين فراجعهما {وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ 10} قلعت وفتتت وصارت هباء منثورا راجع تفسير الآية 5 من سورة القارعة والآية 88 من سورة النمل الآتية: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ 11} حضّرت للميقات الذي وقته الله لهم للشهادة على أممهم وجمعت لذلك اليوم المشهود وإذا قلتم أيها الكفرة {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ 12} وأخرت المواعيد التي توعدنا بها من إنزال العذاب فقل لهم يا سيد الرسل {لِيَوْمِ الْفَصْلِ 13} بين الخلائق، ثم أتبع هذا التعجب الذي هو من خصائص ذلك اليوم المهول بما يدل على تعظيمه وتفخيمه والتخوف من هوله بقوله عز قوله: {وَما أَدْراكَ} أيها الإنسان أي شيء أعلمك {ما يَوْمُ الْفَصْلِ 14} هو يوم ناهيك به من شدة وبلاء وأسف وعناء انه {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 15} به من هلاك وخسار وخطر ودمار فقل يا حبيبي للمكذبين بك وبربك المنكرين يوم المعاد والبعث والحساب والجزاء {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ 16} من الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم لما كذبوا رسلهم وفعلنا بهم ما فعلنا {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ 17} الذين سلكوا سبيلهم بالكفر والتكذيب كقوم لوط وفرعون وقوم شعيب ومن بعدهم فإنا دمرناهم كما أهلكنا من قبلهم {كَذلِكَ}مثل ما فعلنا بأولئك من العذاب الفظيع {نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ 18} من قومك لأن سنتنا ماضية على ذلك {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 19} بالبعث من العذاب الذي نوقعه بهم فيه وفي هذه الآيات تهديد لأهل مكة وتخويف لمن لم يؤمن منهم برسوله ولمن بعدهم إلى يوم القيامة ولا تكرار هنا لأن الجملة الأولى لعذاب الآخرة وهذه لعذاب الدنيا فتفكروا أيها الناس واعتبروا {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ 20} قذر قليل.
{فَجَعَلْناهُ} أي ذلك الماء {في قرأر} هو الرحم {مَكِينٍ 21} ومكنون ثابت لا يطلع عليه أحد ولا يعرف ما فيه غيرنا وأبقيناه {إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ 22} هو وقت الولادة المقدر لخروج الجنين المكون من تلك النطفة {فَقَدَرْنا} نحن الإله العظيم أجله عند كماله {فنِعْمَ الْقادرون 23} نحن لتمام خلقه فلم نبقه بعد ذلك ولم نخرجه قبله طرفة عين، ومع هذا تكذبون أيها الناس {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 24} بالفطرة التي فطرنا الناس عليها والقدرة التي قدرناها ولا تكرار أيضا لاختلاف المتعلق {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً 25} وعاء تضمكم {أَحْياءً وَأَمْواتاً 26} على ظهرها وفي بطنها وقد خلقناكم منها، قال الصمصام بن الطرماح:
فأنت اليوم فوق الأرض حيّ ** وأنت غدا تضمك في كفات

{وَجَعَلْنا فِيها} الأرض {رَواسِيَ} جبالا ثوابت تثقلها {شامِخاتٍ} عاليات عظيمات لئلا تميد بكم رحمة بكم أيها الناس {وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً 27} عذبا حلوا وكل حلو فرات وأما نهر الفرات فقد اختص بهذا الاسم لشدة عذوبته بالنسبة لغيره من الأنهر، وقد ثبت بالتحليل أنه أحسن ماء إذا صفي تصفية صحيحة ويليه نهر العاصي وأما ماء الفيجة بدمشق فليس بشيء بالنسبة لها وأخسّ المياه ماء حلب وهذا في محيط سورية إذ قد يوجد ما هو أخس ولا تحديد لخلق الله {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 28} بقدرتنا على الاعادة وانكار نعمتنا المتتابعة وجحود أنبيائنا المرسلين لإرشاد خلقنا وإذ كان متعلق هذه الجملة غير الأول أيضا فلا تكرار، والاستفهام في هذه الجمل كلها للتقدير أي أتنكرون شيئا من ذلك، وإذا كنتم تقرونه فلماذا لا تؤمنون ولا تحذروا أن يقال لكم حين تدنو الشمس من الرؤوس ويلجم الناس العرق لعدم وجود ما يستظلون به {انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ به تُكَذِّبُونَ 29} من البعث والجزاء والنار التي لم تصدقوا بوجودها حينما خوفكم أنبياؤكم عذابها {انْطَلِقُوا} أيها الفسقة {إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ 30} وهو ناشئ من دخان جهنم إذا علا وارتفع وتشعب كالمثلث الطائش وقد فسره بقوله: {لا ظَلِيلٍ} يظل من الحر لأنه لا ظل له {وَلا يُغْنِي مِنَ اللهبِ 31} أي لا يرد عنهم لهب جهنم الذي أو شك أن يلتهمهم في الموقف بل يزيدهم حرا على ما هم فيه من الحر، وهكذا كل مثلث هندسي يوشك أن لا يكون له ظل وارف بخلاف بقية الأشكال المربعة والمسدسة والمثمنة والمدورة وغيرها كالمستطيلة والبيضوية والمخمسة فانظر هداك الله انه جلّ شأنه لم يغفلى كتابه حتى من الأمور الهندسية فاحفظوا أنفسكم أيها الناس واحذروا هذه النار {إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ} هو ما يتطاير منها لكنه ليس كشرر نارنا بل إن كل شرارة منها {كَالْقَصْرِ 32} البناء العظيم الشامخ {كَأَنَّهُ} ذلك الشرر المتطاير منها {جِمالَتٌ} جمع جمل والتاء لتأنيث الجمع {صُفْرٌ 33} من حيث اللون قال:
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم ** بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى

وكانت العرب تسمي الأصفر أسود وقرئ بضم الميم جمع جمال وهو الحبل العظيم من حبال السفن وقلوس الجسور مفرده قلس وهو حبل من ليف أو خوص النخل وتربط بها السفن وتسحب فيها في البحر والنهر والتشبيه في امتداده والتفافه وقرئ بكسر الجيم جمل أيضا مثل حجر وحجارة {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 34} الذين تغافلوا عن ذلك اليوم وهنا لا تكرر أيضا للعلة السابقة.